recent
أخبار ساخنة

## البداية النورانية: استهلال صحيح البخاري بأحاديث بدء الوحي

الحجم
محتويات المقال

 

## البداية النورانية: استهلال صحيح البخاري بأحاديث بدء الوحي

 

يُعدّ **صحيح البخاري** أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى، وقد استهلّه الإمام **أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري** رحمه الله بـ **"كتاب بدء الوحي"**، وهو اختيارٌ بالغُ الدلالة، يُشير إلى أن أساس هذا الدين هو الوحي الإلهي المنزّل على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم.


يُعدّ **صحيح البخاري** أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى، وقد استهلّه الإمام **أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري** رحمه الله بـ **"كتاب بدء الوحي"**، وهو اختيارٌ بالغُ الدلالة، يُشير إلى أن أساس هذا الدين هو الوحي الإلهي المنزّل على خاتم الأنبياء والمرسلين، محمد صلى الله عليه وسلم.
## البداية النورانية: استهلال صحيح البخاري بأحاديث بدء الوحي

## البداية النورانية: استهلال صحيح البخاري بأحاديث بدء الوحي


**فاتحة الكتاب حديث النيات (الحديث الأول)**

 

لم يبدأ الإمام البخاري بسرد وقائع نزول الوحي مباشرة، بل قدّم لذلك بحديثٍ يُعتبر أصلاً من أصول الإسلام وقاعدةً من قواعده الكبرى،

 وهو حديث **"إنما الأعمال بالنيات"**. يرويه أمير المؤمنين **عمر بن الخطاب** رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: **"إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ"**.

 

تبرز أهمية هذا الحديث في كونه يضع الميزان الأساس لقبول الأعمال وصلاحها، وهو **النية**. فالنية هي روح العمل ومحوره الباطن. وبهذا الحديث، يؤسس البخاري لمنهجه القائم على أن صحة الظاهر (العمل المطابق للسنة) لا تكفي وحدها.

  • بل لا بد أن يقترن بها صلاح الباطن (الإخلاص لله تعالى). وكما أشار الشارح، يمثل هذا الحديث
  •  شطر الدين المتعلق بالأعمال الباطنة القلبية، بينما يمثل حديث عائشة رضي الله عنها **"من أحدث
  •  في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"** الشطر الآخر المتعلق بموافقة الأعمال الظاهرة للشريعة. ولا
  •  يصح عمل ولا عبادة إلا بتحقق هذين الشرطين معاً: **الإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله
  •  عليه وسلم**. وقد أشار الشراح إلى تفرّد (غرابة) رواية هذا الحديث من طريق عمر عبر سلسلة
  •  رواة محددين (علقمة عن عمر، محمد بن إبراهيم عن علقمة، يحيى بن سعيد عن محمد) قبل أن
  •  ينتشر الحديث انتشاراً واسعاً عن يحيى بن سعيد الأنصاري.

 

**كيفيات نزول الوحي (الحديث الثاني)**

 

ينتقل البخاري بعد ذلك إلى صلب موضوع الباب، فيروي حديث أم المؤمنين **عائشة** رضي الله عنها، الذي سأل فيه **الحارث بن هشام** رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن كيفية إتيان الوحي. فأجاب النبي صلى الله عليه وسلم مبيناً حالتين رئيسيتين:

1.  **مثل صلصلة الجرس:** وهي أشد الحالات عليه، حيث يسمع صوتاً قوياً كصوت الجرس، وبعد انقطاعه يكون قد وعى ما قيل له.

2.  **تمثّل المَلَك رجلاً:** حيث يأتيه جبريل عليه السلام في صورة رجل ويكلمه مباشرة، فيعي النبي صلى الله عليه وسلم ما يقوله.

 

وتضيف السيدة عائشة شهادتها على شدة الوحي، فتذكر أنها رأته صلى الله عليه وسلم ينزل عليه الوحي في اليوم شديد البرد، ومع ذلك كان جبينه يتفصد عرقاً عند انقضاء الوحي، مما يدل على الثقل المعنوي والروحي لهذه التجربة الفريدة.

 

**اللقاء الأول نزول "اقرأ" (الحديث الثالث)**

 

يُعدّ هذا الحديث المحور الأساس في باب بدء الوحي، وفيه تروي السيدة **عائشة** رضي الله عنها تفاصيل أول لقاء بين النبي صلى الله عليه وسلم وأمين الوحي جبريل عليه السلام. وتذكر مراحل التمهيد النبوي:

*   **الرؤيا الصالحة:** كانت أولى بشائر النبوة، حيث كان لا يرى رؤيا في نومه إلا جاءت واضحة جلية كفلق الصبح.

*   **حب الخلاء:** ثم حُبّب إليه الاعتزال والخلوة، فكان يتعبد في **غار حراء** لياليَ معدودة (وهو التَّحَنُّثُ)، يتزود لذلك ثم يعود ليتزود مرة أخرى.

*   **المفاجأة بالحق:** وبينما هو في غار حراء، جاءه المَلَك (جبريل عليه السلام) فجأة وقال له: **"اقرأ"**. فأجاب النبي الأمي صلى الله عليه وسلم: **"ما أنا بقارئ"**. تكرر هذا المشهد ثلاث مرات، وفي كل مرة كان الملك يأخذه فيغطّه (يضمه بقوة) حتى يبلغ منه الجهد ثم يرسله، طالباً منه القراءة. وفي المرة الثالثة، وبعد الغطة، أنزل عليه الملك أولى آيات القرآن الكريم: **{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ۝ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ۝ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ}** [العلق: 1-3].

 

  1. عاد النبي صلى الله عليه وسلم إلى زوجته **خديجة بنت خويلد** رضي الله عنها بقلب يرتجف من
  2.  هول الموقف، طالباً منها أن تغطيه "زملوني زملوني". وبعد أن ذهب عنه الروع، أخبرها بما حدث
  3.  معرباً عن خشيته على نفسه. وهنا يظهر دور خديجة الحكيم والمؤمن، فتطمئنه بكلمات راسخة
  4.  مستشهدة بجميل صفاته وأفعاله: "كلا والله ما يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلّ،
  5.  وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".

 

ثم انطلقت به إلى ابن عمها **ورقة بن نوفل**، وكان شيخاً كبيراً قد تنصّر في الجاهلية ويكتب من الإنجيل بالعبرانية. فلما سمع ورقة خبر النبي صلى الله عليه وسلم، أدرك ببصيرته وعلمه أنها النبوة، وقال: "هذا الناموس (صاحب السر، أي جبريل) الذي نزّل الله على موسى". وتمنى لو كان شاباً قوياً لينصره حين يخرجه قومه. وعندما استغرب النبي صلى الله عليه وسلم من ذكر الإخراج، أكد له ورقة أن هذه سنة الله في الأنبياء، فلم يأتِ رجل بمثل ما جاء به إلا عُودي. ثم لم يلبث ورقة أن توفي، وفتر الوحي (انقطع مؤقتاً).

 

**ختام فترة الوحي وبدء الدعوة (حديث جابر)**

 

ويُلحق البخاري رواية عن **جابر بن عبد الله الأنصاري** رضي الله عنه (يرويها عنه ابن شهاب الزهري)، تصف نهاية فترة انقطاع الوحي، حيث رأى النبي صلى الله عليه وسلم الملك الذي جاءه بحراء جالساً على كرسي بين السماء والأرض، فأصابه الرعب وعاد لأهله قائلاً "زملوني"، فأنزل الله تعالى: **{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ۝ قُمْ فَأَنْذِرْ...}** [المدثر: 1-2]. وبعد نزول هذه الآيات، حمي الوحي وتتابع.

 

بهذه الأحاديث المؤسسة، يضع الإمام البخاري القارئ أمام جوهر الرسالة المحمدية: أساسها النية الخالصة، ومنبعها الوحي الإلهي الصادق، وبدايتها تجربة روحية عظيمة تخللتها الشدة والخوف والطمأنينة والبشارة، لتنطلق بعدها أعظم دعوة عرفتها البشرية.


## البداية النورانية: استهلال صحيح البخاري بأحاديث بدء الوحي


تعديل
author-img
Tamer Nabil Moussa

تعليقات

ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق
    google-playkhamsatmostaqltradent